يعرض الكاتب مصطفى الدبّاغ تطوّر الخطاب البريطاني حول الإخوان المسلمين بوصفه انعكاسًا لآلية سياسية تتجنب مواجهة التعقيدات الحقيقية، وتفضّل صناعة تهديدات جاهزة تريح الحكومة من مشقّة التعامل الصادق مع المسلمين في المجال العام. يوضح الكاتب أنّ النقاش الدائر حول الحظر لا يستند إلى أدلة جديدة، بل إلى خوف سياسي يعيد إنتاج السرديات القديمة ذاتها.
تُبرز رواية ميدل إيست آي أنّ هذا الجدل يشبه حلقة مكرورة تُستحضر فيها ادّعاءات مُتعبة، بينما يختفي أي فحص جاد للوقائع، فيتحوّل «الإخوان المسلمون» إلى لافتة فضفاضة تُعلّق عليها مخاوف داخلية ورغبات خارجية.
تكرار دورة الاتهام
يتعامل الخطاب السياسي البريطاني مع «الإخوان المسلمين» باعتبارهم مشكلة جاهزة للاستهلاك الإعلامي. يواصل سياسيون، على رأسهم رئيس الوزراء كير ستارمر، الإيحاء بوجود تهديد غير محدد يستدعي مراجعة خاصة، بينما يفشلون في تقديم دليل واحد على تغيّر المعطيات. يتحدث وزراء عن علاقة بين الجماعة والتطرف الخارجي، فيخلقون ظلّ تهديد يفتقر إلى أي سند فعلي.
تستدعي هذه اللحظة ذاكرة 2015، حين قاد المحافظون تحقيقًا موسعًا حول فكر الجماعة وأنشطتها داخل بريطانيا. خرج التحقيق بلا توصية بالحظر ولا حتى بإشارة إلى خطر أمني مباشر. لو وُجد الدليل وقتها تحت حكومة رغبت في إظهار الحزم، لظهر. لهذا يبدو غياب التغيير اليوم دليلًا على أنّ إعادة فتح الملف لا تعكس معلومات جديدة بقدر ما تعكس رغبة سياسية في صناعة خصم جاهز.
يوضح الكاتب أنّه لا يقدّم دفاعًا عن الجماعة نفسها، بل يرفض طريقة تحويل اسمها إلى ملصق يلتصق بأي كيان مسلم يزعج حكومات أجنبية أو جماعات يمينية داخلية. تتحرك السلطة الآن داخل دائرة تُعاد فيها الاتهامات بلا أدلة، بينما يُعاد تقديم الشكوك كحقائق.
ضغط خارجي يحرّك الداخل
يركّز الكاتب على دور الإمارات بوصفها المحرّك الرئيس خلف موجة الاتهامات الأخيرة. تواصل أبوظبي تصدير معاركها السياسية عبر حملات ضغط وتمويل شركات استخبارات خاصة مهمتها وصم أي صوت نقدي بارتباطات غير موجودة. يكشف تحقيق كبير نشرته «نيويوركر» تفاصيل عن شركة سويسرية موّلتها الإمارات لتوليد اتهامات ملفقة، وتحرير صفحات ويكيبيديا، ودفع بنوك إلى قطع العلاقات مع أشخاص ومؤسسات باعتبارهم واجهات «إخوانية».
يتسرب هذا الخطاب تدريجيًا إلى النخبة البريطانية. يظهر مثلاً وزير سابق مثل مايكل جوف ليعلن داخل البرلمان أنّ «جمعية مسلمي بريطانيا» فرع لتنظيم الإخوان. يصف الكاتب هذه الجملة بأنها مثال على كيف يتحول كلام بلا برهان إلى حقيقة متداولة. يتكرر الأمر مع «الإغاثة الإسلامية»، وهي مؤسسة إنسانية ضخمة اجتازت كل الاختبارات الرقابية في بريطانيا، لكنها صارت هدفًا لاتّهامات مستمدة مباشرة من الخطاب الإماراتي.
أبرز المثال جاء حين اعتذرت «GB News» ودفعَت تعويضات كبيرة بعد نشر اتهامات كاذبة من ناشط إماراتي. سقطت الاتهامات تحت الفحص القانوني، لكن أثرها الخطير بقي قائمًا، خصوصًا على مؤسسة يفقد موظفوها أرواحهم أثناء إيصال المساعدات في مناطق النزاعات.
حلقة التضليل المحلي
يتقاطع هذا الضغط الخارجي مع دائرة داخلية تتغذى على الإسلاموفوبيا. يظهر ذلك عبر مراكز أبحاث مثل «هنري جاكسون سوسايتي»، التي بَنَت سردية مستمرة تعتبر أي نشاط مدني منظم للمسلمين جزءًا من تهديد «إسلامي». يلفت الكاتب إلى أنّ تعيين مدير هذا المركز مستشارًا لحزب يميني متشدد جاء قبل أيام فقط من سؤال جاهز في البرلمان يطالب بحظر الجماعة.
تخلق هذه الحلقة تفاعلًا مغلقًا: تنتج مراكز الأبحاث خطابًا ملتهبًا، ثم يعيد السياسيون تدويره في البرلمان، ثم تستخدمه الحكومة ذريعة لفتح مراجعات جديدة، ثم يُقدَّم النقاش العام وكأنّ هناك تهديدًا يتعاظم. بهذا تتحول السردية إلى حقيقة نفسية تبرّر مناخًا من الشك بالمسلمين ومؤسساتهم.
يحذّر الكاتب من أنّ هذا المنطق يوسع دائرة الاتهام حتى يفقد المصطلح معناه. إذ يستطيع أي طرف أن يطلق وصف «إخواني» على أي كيان مسلم، سواء كان جمعية خيرية أو منظمة شبابية أو حتى شركة صغيرة. يصبح مجرد الاقتباس أو التشابه الفكري سببًا لإطلاق الشبهات.
صناعة تهديد بلا دليل
ترسم المقالة مقارنة حادة بين هذا المناخ وما عرفه التاريخ من نظريات مؤامرة استهدفت مجموعات دينية أخرى. يشبّه الكاتب الخطاب الحالي بخرافات معادية لليهود صُوِّرت فيها الجماعات المدنية كشبكات سرية تدير العالم. يلفت إلى أنّ البريطانيين لم يسمحوا بانتشار تلك الاتهامات دون مقاومة، ولا يجب أن يسمحوا بانتشار مثيلها الإسلاموفوبي اليوم.
يشرح الكاتب أنّ بريطانيا تنجرف نحو سياسة تصوغها مخاوف حلفاء سلطويين في الخليج، بدل أن تستند إلى تقييمات أمنية واقعية. يرى أنّ الحظر سيمنح خصوم المجتمع المدني أداة جديدة لتجريم النشاط الخيري والحقوقي الإسلامي، دون أي مكسب أمني حقيقي.
يختتم الكاتب بأنّ السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت بريطانيا ستتجه نحو حظر الإخوان، بل كيف ستتعامل مع مشاركة المسلمين في الحياة العامة خلال السنوات المقبلة. يدعو الحكومة إلى الانخراط مع المجتمعات بدل شيطنتها، وإلى مقاومة الخطاب المتوتر الذي يحوّل الاختلاف السياسي إلى «مطاردة ساحرات» داخلية.
يرى الكاتب أنّ بريطانيا لا تحتاج إلى حظر، بل تحتاج إلى شجاعة سياسية تُبعدها عن الذعر المُصطنع وتحصّن فضاءها المدني من ضغوط الأنظمة السلطوية وأصوات اليمين المتطرف.
https://www.middleeasteye.net/opinion/what-driving-britains-muslim-brotherhood-panic

